[center]
المعــــصية ظُــــلمة تـــــغلّف القلب،
يُحــــسّ بها ذو الذنب،
كما يحس بظلمة الليل غدًا زحفت جيوشه وأدلهم
والــــطاعة إشراقة نور،
تنفسح بها النــــــفس،
فتعرض عن دار الغُرور
وتقبل عن دار الخلود
وأي امرئ أُشرب المعاصي نُكتتت في صدره نُكَت
سوداء حتى تغلف القلب .فيصير كسواد الحَلَك
وأي قلب أنكر المعاصي نُكتت فيه نُكت بيضاء،
حتى يصبح أبيض مثل الصَّفا.
وقد يخوض المرء العاصي لجّة المعاصي، ويعتاد الذنب ويألفه،
فلا يرجو النجاة، ولا يُمكَّن من أن يَستغيث أو يصيح،
إذا تقرر هذا فاعلمي أن الوقوع في الخطأ ليس هو الخطأ بعينه،
وإنما الإصرار على الخطأ والمعصية هو المصيبة الكبرى والداهية العظمى
فكم من صغيرة كانت بالإصرار عليها كبيرة!
وكم من ذنب صغير أدى الإصرار عليه بصاحبه إلى الكفر!
وكم من صغيرة يراها الإنسان كذلك وهي عند الله عظيمة بسبب الإصرار عليها،
والتمادي في فعلها، وترك الإقلاع عنها؛ مع ظهور الأدلة، ووضوح الحجة.
الإصرار على المعصية مصيبة ذلك قد يكون سبباً في سوء الخاتمة،
والنهاية المؤسفة!
كم من إنسان أصر على ترك الصلاة فمات على ذلك!
ماذا يقول لله رب العالمين؟ وبماذا يلاقيه؟
كم من إنسان أصر على الفجور وشرب الخمور،
فكان آخر حياته ذلك..
يجــــــــــاهرون بالمـــــعــــصـــيه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله يقول:
((كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعملَ الرجل بالليل عملاً
ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا
وقد بات يستره ربّه، ويصبِح يكشِف سترَ الله عليه).
إن المجاهرة بالمعصية والتبجُّحَ بها بل والمفاخرة قد صارت
سمةً من سمات بعض الناس في هذا الزمن
يفاخرون بالمعاصي، تباهون بها
انظروا فيما حولكم من الناس، كيف صارت المجاهرة بالمعاصي
شيئًا عاديًا،
إن كلّ من يعلِّق صورةً مخرمة تعليقًا يظهر للناس،
أو يلصق على سيارته عبارةً بذيئة وهو يعلم معناها،
أو يشرب شيئًا من المحرّمات
قال تعالى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
[النساء:148]
قال البغوي- رحمه الله- في تفسير الآية:
"يعني لا يحب الله الجهربالقبح من القول إلا من ظلم"
[تفسير البغوي 1/30
إن الله حيِيٌّ ستِّير، يحب الحياء والستر،
إنه سبحانه وتعالى يحب الستر، فيجب على من ابتُلي بمعصية أن يستتر، ويجب عدم فضحه
فإذا جاهر لقد هتك الستر الذي ستره به الستِّير
وهو الله عز وجل،
وأحلّ للناس عِرضه فينبغي على الإنسان أن يتوبَ ويستتر، ولكن هؤلاء يجاهرون،
قال النووي رحمه الله:
"يكره لمن ابتُلي بمعصية أن يُخبر غيره بها"، يعني:
ولو شخصًا واحدًا، بل يُقلع عنها ويندَم ويعزم أن لا يعودقال الرسول صلى الله عليه وسلم
(يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفثم
يقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول يا رب أعرف حتى
إذا بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ قال إني سترتها عليك في الدنيا
وأنا أغفرها لك اليوم قال ثم يعطى صحيفة حسناته
أو كتابه بيمينه قال وأما الكافر أو المنافق فينادى على
رءوس الأشهاد قال خالد في الأشهاد شيء من انقطاع
( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين )
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 152
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فما أسعد الإنسان لو أمسك
عن المجاهرة بذنوب اللسان،
وخطاياالجنان!
فأَطلِق لسانك بالذّكر،
فإن لم تُطق فاحبِسه عن القـــــــبائـــح
حــــــكم الاصـــرار
هي كبيرة من الكبائر فقد عدها ابن حجر كذلك
وَقَالَ العِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ:
الإِصْرَارُ عَلَى الذُّنُوبِ يَجْعَلُ صَغِيرَهَا كَبِيرًا فِي الحُكْمِ وَالإِثْمِ
فَمَا الظَّنُّ بِالإِصْرَارِ عَلَى كَبِيرِهَا
والحاصل أن الإصرار على المعصية ذنب كبير،
لكنه لا يكون كفرا إلا بالاستحلال، والإصرار ليس دليلا على الاستحلال،
لكنه قد يقود إليه، نسأل الله العافية.
وقد حذرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التهاون في صغائر الذنوب ، فقال :
( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ،
فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ
، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه ) .
رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وقال الحافظ : إسناده حسن اهـ.
( وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ) هي الصغائر
وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ :
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( يَا عَائِشَةُ ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا )
صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .